هذا هو اسمها الحقيقي ، فيوليت ، زميلتي في الفصل أيام الابتدائي ، هل هناك طريقة تعيدني إلي تلك المرحلة؟؟!! ، آه يافيوليت!! ، كم كانت جميلة وهادئة ومضيئة ، أذكر أنني كنت أتوه أثناء شرح المعلم وأنا أراقبها ، حين كانت ترفع يدها للإجابة علي أسئلة المعلم كان إصبعها المرفوع يخطفني ، يا إلهي!! ، هل كان ذلك إصبع أم قطعة من الشيكولاتة نبتت فجأة في سماء الفصل؟!! ، حين تبدأ في الإجابة أتخيل أن الكلمات تخرج من فمها علي هيئة فراشات ملونة ، ذات مرة أثناء تجمعنا حول المعلم لمراجعة كراسات الواجب تصادف أنها كانت بجانبي ، كانت رائحتها حلوة إلي درجة أن عبيرها توهني ، تخشبت في مكاني بينما ظل المعلم مادا يده لأناوله كراستي ، وحين لاحظت هي أن المعلم علي وشك أن يصفعني خطفت هي الكراسة من يدي وناولتها له حيث منحني صفرا مثل كل مرة ثم قذف بالكراسة في وجهي وهو يقول لي : إبقي نام في بيتكم ياحيوان ، فيوليت انحنت برفق والتقطت الكراسة من علي الأرض ووضعتها بين يدي وهي تقول لي : الأستاذ زعلان منك علشان إنت مش بتعمل الواجب ودايما سرحان ، أذكر أن كل ما كان يشغلني في تلك اللحظة هو كيف أزيح الولد الذي يجلس بجانبها واحتل أنا مكانه ، رائحتها حلوة ، والكلام يخرج من فمها علي هيئة فراشات مجنحة ، ومن عينيها البنيتين يشع بريق ملون ساحر يخطف روحي ، وصوتها يشبه ذلك الهسيس العذب الذي يتناهي إلي أذنيك لحظة طلوع الصبح بطراوته ونداه .
آه لو تعود بنا الأيام وأراها مرة أخري وهي تغني أغنية شكل تاني لنجاة الصغيره وتتمايل برقة علي وقع لحن الأغنية التي كان يحلو لمدرس الموسيقي أن يعزفه ويطلب منها أن تغنيها لحلاوة صوتها ورقته وعذوبته ، وحين كانت فيوليت تصل إلي المقطع الذي تقول فيه :
حتي لمّا بتئسي مره
وتعاتبني بكلمة مرّة
العتاب المر له حلاوة شكل تاني
كانت هي تقف وتروح تتمايل مع عزف العود ودقات زميلنا محمد شبل علي الدُّرج .
انتهت محاولتي لإجبار مصطفي علي انتقاله إلي مكاني لكي أجلس أنا إلي جوار فيولت انتهت بمعركة ، لكمته في وجهه بعد أن دفعني في صدري وهو يقول لي : إلعب بعيد يابليد يا أبو صفر ، اشتكاني عند الناظر ، وجاء العامل وجرني جرا إلي غرفة الناظر.
بعد أن ضربني الناظر عشر خرزانات علي يديّ وافق علي جلوسي بجوار فيوليت بدلا من مصطفي حيث إدعيت وأنا أبكي بحرقة أنني لا أري السبورة من مكاني .
يا إلهي!! ، صرت إلي جوارها أخيرا ، أتذكر أنها كادت يومها تطير من الفرح وأهدتني صليبا فضيا ، وأهديتها مصحفا صغيرا كانت أمي قد وضعته في حقيبتي وأوصتني بالحفاظ عليه ، وبعد أن كنت مشغولا بمراقبة حركاتها ومشاهدة إصبعها الجميل الذي يرتفع في سماء الفصل كلما وجه المعلم لنا سؤالا صرت مشغولا باصطياد الفراشات الملونة التي تخرج من فمها ، وهكذا بعد أن كنت أحصل علي صفر في مادة الحساب فقط أصبحت أحصل علي صفر في كل المواد ، حتي في مادة الرسم كنت أحصل علي الصفر لأنني كنت أرسم فقط فراشات ملونة مهما اختلف الموضوع الذي يطلب مدرس المادة التعبير عنه بالرسم.