مقالات

أفكار بصوت مرتفع .. متحف الجثث في القصر العيني...

تقييم المستخدمون: 1.8 ( 1 أصوات)
زينب كاظم 
سنسلط الضوء في هذا المقال عن وجود شيء مهم وغريب في مصر ،وعندما نقول مصر يدور في أذهاننا أبو الهول أو الأهرامات او الأكلة الشعبية الكوشري لكن في مصر هناك اشياء أخرى لها أهمية كبيرة لكن لم تسلط عليها الأضواء بشكل واضح ومعروف فمثلا هناك متحف يقع في مستشفى القصر العيني ويسمى (متحف الجثث )،وقبل أن نتحدث عن هذا المتحف الغريب والذي يعتبر أغرب متحف في العالم سنتحدث عن صاحب فكرة انشاء هذا المتحف وصاحب الفكرة هو الدكتور نجيب محفوظ وهذا الأنسان ليس هو نفسه الكاتب والأديب نجيب محفوظ ومن يتساءل هل توجد علاقة بينهم نعم هناك علاقة ففي سنة( ١٩١١م)كانت والدة الكاتب والأديب المعروف في حالة ولادة فتعسرت ولادتها فجلبوا لها طبيب معروف كان يدور بين القرى الفقيرةو البعيدة عن مركز المدينة بهدف مساعدة النساء اللواتي يعانين من ولادة متعسرة هناك اذ كان متبرعا بذلك ، فجاء الدكتور نجيب محفوظ فأنقذ الأم والطفل معا فسمي هذا الطفل نجيب محفوظ على أسم الدكتور الذي أنقذ الأم والطفل من الموت بمشيئة الله وهذا الطفل أصبح الكاتب والأديب العالمي نجيب محفوظ اذا سمي بهذا الأسم تيمنا بأسم الدكتور نجيب محفوظ الذي أنقذه وأنقذ والدته اثناء الولادة .
وهناك يجب أن نوضح من هو الدكتور نجيب محفوظ ،ولد الدكتور نجيب محفوظ عام( ١٨٨٢ م)بالمنصورة من اسرة مسيحية والتحق بالمدرسة الطبية في القصر العيني سنة (١٨٩٨م)وتعلم الطب على أيدي أطباء اوربيين وكان تخصصه التخدير وفي عام (١٩٠٢م) كان المفترض أن يتخرج الدكتور نجيب محفوظ لكن تأجل تخرجه بسبب تفشي وباء الكوليرا الذي كان منتشرا انذاك والذي راح ضحيته عدد كبير من الناس فتم تجنيد طلبة مصريين لمكافحة هذا الوباء خاصة بالمناطق التي انتشر فيها والدكتور نجيب محفوظ كان واحدا من اولئك الطلبة وكان دوره الكشف عن الحالات المصابة بالكوليرا فوضع في محطة السكك الحديدية فالناس الذين يأتون للقاهرة كان هو وزملاؤه يكشفون عليهم ويرون ما اذا كانوا يحملون هذا الوباء ام لا لكن الدكتور نجيب محفوظ لم يعجبه ذلك لأنه كان واثقا أن الحالات الخطيرة كانت في القرى وليس في العاصمة لأنه كانت هناك قرى نائية ولا أحد يستطيع الوصول اليها فرأى أن من واجبه مساعدة الناس هناك فقدم طلب بنقله هناك فوافقوا على طلبه ونقلوه الى قرية تعد من أكثر المناطق أنتشرت فيها اصابات الكوليرا وهي قرية (موشا) التي كانت قريبة من (أسيوط)فذهب هناك وعمل لكل صدق وشجاعة اذ كان من الممكن أنه هو الاخر يصاب بهذا الوباء لغاية ما استطاع أن يحدد مصدر الوباء أي بأي مكان منتشر هذا المرض بصورة كبيرة أو بالأصح من أين مصدر المرض وبعد البحث عن مصدر الوباء والذي جعل الوباء منتشرا بشكل فظيع في تلك القرية وجد ان مصدر الوباء هو بئر ماء يقع في بيت أحد الفلاحين في هذه القرية وهذا أن دل على شيء فهو يدل على ذكاء حنكة وفطنة هذا الطبيب وبعد القضاء على هذا المرض وتم تشافي كل الناس منه تخرج الدكتور نجيب محفوظ كطبيب تخدير وتم تعيينه في مستشفى القصر العيني وفي أحد عمليات الولادة التي كانت في المستشفى قاموا بنداء الدكتور نجيب محفوظ والعملية كانت جدا صعبة ونادوه بصفته طبيب تخدير وخلال هذه العملية تحديدا رأى معاناة هذه المرأة الحامل وقلة الوسائل والأدوية والخبرات التي تختص بهكذا حالات وكانت حالة تلك السيدة هي تعلق رأس المولود متعلق برحم تلك السيدة أي جسده للخارج ورأسه داخل وحاولوا كثيرا اخراج رأس الطفل من جسد أمه حتى ظل رأس الطفل داخل رحم والدته وجسده خارج وبالأخر الأثنان توفوا رحمهم الله وبعد هذه الحادثة التي رأها الدكتور نجيب محفوظ بعينه تأثر كثيرا نفسيا بل حتى تأثر في عمله لكنه أن تخصص أمراض النساء في مصر تخصص فقير من حيث الكوادر الطبية والمعدات والدراسات والخبرات وهنا أخذ قراره بأن يغير تخصصه من التخدير الى اختصاص الولادة وأمراض النساء لكن الناس لم تتقبله في بادئ الأمر في تلك المناطق كونه رجل والناس هناك يرفضون أن تكشف النساء على رجال لكن الدكتور نجيب محفوظ نجح في ذلك بل وعمل ثورة كذلك فعندما كان الناس يرفضونه ويلجأؤن لنساء متخصصات بالتوليد وهؤلاء النسوة كن بلا دراسة أو تخصص ولا يتقبلونه هو قام بالذهاب الى تلك القرى البعيدة ويختار الناس اللواتي على وشك ولادة ويعرض خدماته على الناس مجانا وفي هذه القرى النائية كان الناس فقراء ماديا فكان الناس يوافقون لأنه بلا مقابل وفي داخل بيوتهم كذلك وكان يسجل ملاحظاته ويدرس الحالات وفي أكثر الحالات كان ينقذ الأطفال وأمهاتهم من موت محقق، كذلك طلب من زملاؤه ومعارفه وأقاربه أن يدلوا الناس عليه وأنه مستعد لمساعدتهم وبالمجان كذلك وبهاتين الطريقتين اشتهر الدكتور نجيب محفوظ والكثير من الناس كانوا يلجأؤن له كما لجأ اليه والد الروائي( نجيب محفوظ )كما أشرنا في المقدمة بعدها فتح عيادته الخاصة وكانت عند مستشفى القصر العيني وكانت هذه العيادة خاصة بأمراض النساء والتوليد ورغم أن زملاء الدكتور قالوا له أن هذه العيادة لن تنجح الا أنها نجحت وبشكل كبير فواصل الدكتور نجيب محفوظ عمله وأستمر فيه وصار يعمل بحوثا ودراساتا ودخل الكثير من العمليات فأخذ خبرة كبيرة وأصبح أشهر طبيب نسائي في مصر وصارت لديه الكثير من الأنجازات منها أنه ألف كتابين ونشر أكثر من بحث وأسس أول وحدة لصحة الأم في مصر ووحدة رعاية الحامل وأسس وحدة صحة الطفل التي لم تكن موجودة في السابق وأسس مدرسة لتعليم النساء المتخصصات في التوليد التي كان يطلق عليهن سابقا (الدايات) اللواتي كن يولدن النساء بلا تخصص أو دراسة فأخذهن وعلمهن وثقفهن في مجال توليد النساء كذلك قاموا بعرض العديد من العمليات التي قام فيها في لندن كي يستفاد منها الأطباء وطلبة الطب وابتكر أكثر من طريقة جديدة في مجال الطب النسائي والتوليد أذ كان الدكتور نجيب محفوظ كان فلتة علمية وكان فاهما ومبدعا في مجال تخصصه وبعد مشواره الطويل وعندما جاء موعد تقاعده رفض الدكتور نجيب محفوظ أن يتقاعد وذلك بناء على طلب زملاؤه منه فمدد المدة خمس سنوات كي يستفادوا من خبراته وأخيرا تقاعد سنة (١٩٤٢م)وتم تكريمه من الدولة المصرية والعديد من دول الجوار كل ذلك بسبب خبراته وانجازاته التي أسهمت بتطوير مجال طب النساء والتوليد والذي كان اساسا تخصص فقير جدا وهو الذي عمل ثورة فيه هذا كل ما يخص الدكتور (نجيب محفوظ).
والان سنتحدث عن المتحف الغريب (متحف الجثث) ،ففي خلال تخصص الدكتور وتنقله بين المدن والقرى الفقيرة من أجل يقوم بالعمليات هناك رأى الدكتور نجيب محفوظ حالات غريبة للأجنة والأطفال حديثي الولادة وقام خلال فترة خدمته بتجميع تلك العينات عينات الأجنة مثلا أطفال توفوا أثناء الولادة أو أطفال ولدوا بتشوهات غريبة ونادرة وماتوا أو حالات أجهاض لأجنة لم تكتمل بعد أو أرحام نساء مشوهة أو أورام تم اسئصالها كل تلك كانت عينات يهتم فيها الدكتور فكان يأخذها ويحتفظ فيها داخل أوعية زجاجية يستوردها من فرنسا بماله الخاص ويضع تلك العينات داخل تلك الأوعية الزجاجية مع مواد كيميائية كان يصنعها بنفسه ثم يغلقها بأحكام كي يحافظ على تلك العينات من التلف وكان في بادئ الأمر يستفاد من تلك العينات بتدريس طلبته اذا كان يشرح لهم عليها لكن عندما زاد عدد تلك العينات قاموا بتخصيص مكان لها في كلية الطب وكان ذلك عام (١٩٢٩م)وفي عام (١٩٣٢م)كان هناك عدد كبير جدا من تلك العينات صارت لديه تقريبا ثلاثة الاف عينة فقرر اهداء تلك العينات لكلية الطب في القصر العيني وبذلك تم انشاء متحف الدكتور نجيب محفوظ للأجنة البشرية المشوهة فسموا هذا المتحف بأسمه كون العينات كلها منه.
وكان في متحف نجيب محفوظ كل الأدوات الخاصة بطب النساء والتوليد بالأضافة للعينات البشرية ومن ضمن المحتويات الموجودة فيه بعض الأدوات الطبية مثل الأبرة والخيط التي كانت تستخدم سابقا والتي تعود لأوائل الأربعينات وكان هناك قناع تخدير تم اختراعه سنة( ١٨٩٠م)وكرسي ولادة كان يستخدم في حالات خاصة للولادة وقد استخدم هذا الكرسي حتى أيام الفراعنة كذلك موجود حقيبة الدكتور نجيب محفوظ التي تحتوي على الأدوات الخاصة للتوليد ووصفات طبية نادرة من سجل الدكتور نجيب محفوظ والاف العينات المشوهة ويوجد تحت كل وصفةوكل عينة شرح تفصيلي لها كي يستفيد منها بعض طلبة الطب والناس لأن هذا المتحف ليس فقط للأطلاع والنزهة بل للأستفادة والتعلم كذلك .
ومع مرور السنوات وتقاعد الدكتور نجيب محفوظ فقدوا الكثير من هذه العينات أما بسبب الأهمال أو قلة الخبرة اذ لم يكونوا يعرفون كيفية التعامل مع تلك العينات ولم يكن هناك أحد يهتم بذلك المتحف ففي سنة من السنوات وضعوا شخص يهتم بالمتحف ورغم انه هذا الشخص دارسا متخصصا وعارف كيف يتعامل مع تلك العينات الا أنه أخطأ خطأ فادح جدا أذا قام بتغيير السوائل التي كان يعملها الدكتور نجيب محفوظ بنفسه فأدى ذلك لتلف الكثير من تلك العينات فأصبحت غير صالحة للعرض وبعد ذلك قاموا بالأستعانة بمساعد الدكتور نجيب محفوظ الذي علمه الدكتور عمل تلك السوائل والمواد الكيميائية التي تحفظ العينات فقام بعمل تلك التركيبة الكيميائية فأنقذ العديد من العينات والشيء الغريب أن مساعد الدكتور كان أميا الا أنه كان يملك الخبرة بذلك وبالكثير من الأمور والتي أخذها من الدكتور نجيب محفوظ علما أن تلك العمليات التي يتم فيها عمل تلك التراكيب الكيميائية والتي تمر بمراحل كثيرة والتي تشبه التحنيط الى حد كبير التي يتم من خلالها حفظ المومياء والتي الى الأن الناس محتارة بكيفية حفظها الى الأن ،وهذا الأمر صعب جدا وما كان يفعله الدكتور نجيب محفوظ لم يكن سهلا اطلاقا.
وفي عام( ٢٠١٧م)صارت عملية ترميم كبيرة لمتحف الأجنة الخاص بالدكتور نجيب محفوظ وعملية الترميم هذه أحتاجت بمبالغ طائلة فحتى عائلة الدكتور نجيب محفوظ ساهمت بتلك العملية فقاموا بترميم المتحف وتعديله وتنظيم الأوعية الزجاجية ووضع كل شيء في مكانه كل ذلك ليحافظوا على ذلك المتحف .
والغريب والمحير بالموضوع أنه كيف استطاع الدكتور نجيب محفوظ اقناع الناس أن يأخذ منهم العينات رغم أنه هناك قلة معلومات لديهم بشأن الدراسات والعينات أذ كان الناس انذاك بسطاء وبعد عمليات الأجهاض يأخذوا ذووا الأطفال الأجنة والأطفال حديثي الولادة المتوفين لدفنهم فكيف اقنعهم الدكتور بذلك الله أعلم .
وكان من أهم تلك العينات التي كان يذهب الناس لمشاهدتها وبأعداد كبيرة هي عينة تسمى تحول وهذه العينة تخص أحدى النساء اللواتي يعانين من أمراض غريبة ولا يجرؤن على الأفصاح عنها خوفا من نظرة المجتمع وهذه السيدة ذهبت يوما ما الى الدكتور نجيب محفوظ وبعد فحصها تبين أنها هيئتها هيئة أمرأة لكن لديها خصيتين في بطنها وليس لديها مبايض وهنا تدخل الدكتور تدخل وقام لها بعملية جراحية رفع الخصتين وأستأصلهما وعمل جهاز تناسلي انثوي وهذه العملية تعتبر من أوائل عمليات تصحيح الجنس بالعالم وهنا يجب أن نؤكد على أن العملية تصحيح جنس وليس تحول،والعينة الأخرى تسمى (راصد الكواكب) وهذا ما كان مكتوب تحتها وهي لطفل حديث الولادة كان مشوها لكن عينيه كانت تنظر لفوق وكأنها كانت تنظر للكواكب أو السماء أو النجوم وهذا سبب تسميته براصد الكواكب والعينة الثالثة كانت لطفل سمي (بأحلى واحد)وهذا الطفل توفي مخنوقا بالحبل السري وعملية الخنق هذه لم تنال من جماله وشكله الرائع لذلك سمي بأحلى واحد والعينة الرابعة سميت بحورية البحر وهي لطفل حديث الولادة لكن هناك تشوها كبيرا برجليه اذ كانت أرجله ملتصقة مع بعض وتشبه الذيل وكأنها لحورية البحر فسمي بذلك الأسم وهذه كلها أشهر نماذج للعينات الموجودة بمتحف الدكتور نجيب محفوظ للأجنة .
وبعد تأريخ طويل من الدراسات والبحوث والكتب والعلاجات والجوائز توفي الدكتور نجيب محفوظ باشا عام (١٩٧٤م)وكان عمره انذاك (٩٢سنة)وترك ارثا كبيرا لا زال لليوم مرجعا علميا لطلبة الطب ومتحف الأجنة الفريد من نوعه مع العلم أنه هناك اثنين منه واحدا في هولندا وواحد في فرنسا لكن هذه المتحفين لا يوجد فيهم نفس عدد العينات الموجودة في متحف مصر هذا كذلك ليس الدقة والغرابة لذلك يعتبر متحف الدكتور نجيب محفوظ للأجنة المشوهة الأغرب في العالم ،والأن الكل يتمنى زيارة هذا المتحف لأنها تعتبر تجربة فريدة ومخيفة ذات الوقت الأ انه هذا المتحف حاليا مغلق ويعتبر سري ولا يمكن لأي أحد الدخول له الا لبعض الأطباء وبعض طلبة الطب ولأغراض علمية بحتة .

زر الذهاب إلى الأعلى