مقالات

حتى لا يهون الود علينا !

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

 

مجاهد خطاب
كنت بالمنزل وحيدا أبحث عن كتاب أقرأه ..أو مسلسل بالتليفزيون يجذب الانتباه..الوقت بعد منتصف الليل بقليل..ينساب إلى سمعى أغنية من روائع ما غناه موسيقار الشرق الراحل محمد عبد الوهاب..اتخذت كلماتها شكل القصة القصيرة..سهلة الهضم..عميقة التأثير.. وجدتها تعبر عن حالتي. ليس فى اللحظة فقط ولكن منذ فترة.. بعد أن وهنت الحركة.. وتلاشت أو أوشكت اللقاءات مع الأصدقاء والمعارف .. الأغنية كما علمت كتبها شاعر الشباب العاشق غالباً من طرف واحد.. أحمد رامي.. – بعد أن علم بسوء تفاهم بين عبدالوهاب وزوجته السيدة نهلة القدسي ووعده بأن كلماتها بمثابة رسالة تعيد الحب وتداوى الجراح.
**كلمات الأغنية تقول في مطلعها : قالوا لى هان الود عليه.. نسيكوفات قلبك واحداني…
 رديت وقلت بتشمتوا ليه.. هو افتكرنى علشان ينساني.. تسللت المعاني إلى القلب والفؤاد.. وجدتنى أبكى مع
خاتمة الأبيات أنا بحبه.. واراعى وده.. إن كان فى قربه أو فى بعده..
خلونى أحبه على هوايا أشوف فى حبه.. سعدى وشقايا.. ومهما طال شوقى إليه. مهما زاد هجره وبكاني. بكرة يعز الود عليه.ويفتكرني عشان ينساني..
**سرعت بى الخواطر.. وتضاعفت سحب التأمل.. تشرق من خلفها شمس المودة والحب والتواصل الاجتماعى التى أسفرت أنهاراً من العلاقات الاجتماعية والإنسانية على مدى الحضارات والعقود.
تجسدت أمامى فى أزمة حقيقية..نعاني منها جميعاً..بدرجة او بأخرى طالما تحتفظ قلوبنا وعقولنا بإنسانيتنا ..وتنبض تفاهما ومحبة..والأكثر سندا في مشوار العمر..وصداقة ترى فيها إيجابيات النفس وسلبياتها ..وأيضا علاقات متدرجة تصل ذروتها في التآخي..ربما أخ لم تلده أمك…كما انها تترجم تعاليم الأديان وتوصياتها الثى تدعو النشر إلى السلام والمحبة والتعاون..لتحقيق الإعمار وتتواصل الأجيال..
**نعم إنها مشكلة تظهر متاخرة… حيث تختفى جذورها فى رحلة التعارف والتآلف.. بعض الشعوب تتعجل المعرفة وتندفع إلى الارتباط.. وتحدد ما يمكن الالتزام به من عقود لتبادل المنفعة كما يحدث فى البلاد الشرقية.. والأخرى فى الغرب تعتمد حوائط وضوابط صارمة للتحكم فى العلاقة الشخصية بدءا بالتعارف وليس انتهاء بالحب المنشود-
**وفى أحيّان كثيرة تكون الصدفة هى العامل الأساسي. رب صدفة خير من ألف ميعاد..وربما تأتى رد فعل لشهامة أو جميل أو معروف أو سلوك يعتبره الطرف الآخر بشرة خير.. ويسرع ببناء العلاقة الودية إلى أجل غير محدود.
**. ولكن المشاهد أن هذا الود يتراجع مع تقدم السن وسيطرة وسائل الاتصال.. التى حولت العالم بمثابة قرية واحدة..لكنها فشلت فى الحفاظ على اللقاءات والرحلات والزيارات العائلية وتكتفى بتسجيل الإعجاب أو كلمات المجاملة على بوستات الفيس..فيصل الأمر إلى الكسل العام.. ويجد الإنسان المسن نفسه في مأزق زيادة الفراغ المحيط به..وقد يحاول في البداية التصدي لهذا الخطر ولكنه يفاجأ بعبارة ..حاول الاتصال في وقت آخر..فيصاب باليأس ..الذي يمتد غالبا إلى شعور بالملل وتقاعس عن التعويض بممارسة القراءة أو الرياضة إلخ.. وقد ينتهى الأمر إما بالتوقف عن الإبداع ومع الوحدة القائلة. .يتضاعف الاحساس بالمرض والألم ..وقد يختار المرء التقاعد الحقيقي بالتوقف التام عن النشاط..لكن البعض يتمسك بالأمل فى تنبه الآخر للخطر.. ويحلم بتلقى اتصالاً دافئا… يعيد الود كما كان.
**وبالطبع لا نستطيع إعفاء فيروس كورونا وما فرضه وعزل منزلى وإجراءات احترازية أخري.. لأنها ضاعفت الضغوط السلبية على الناس.. ومنعت اللقاءات والمناسبات فى الأماكن العامة.. وضاقت دائرة التعارف إلى الآسرة الصغيرة وتلاشت تقريبا زيارات الأصدقاء.. ولعل من الظواهر التى تسببت فى قطع حبل المودة.. وافتقاد الأسرة الشرقية إلى ثقافة الاختلاف.
**.فالملاحظ غربا أن حالات الانفصال بين الأزواج.. أو استغلال الأبناء أو قرار أحد أفراد الأسرة الهجرة إلى بلد آخر.. ومعظم الخلافات لا تفسد للود قضية.. على العكس يحتفظ جميع الأطراف بحد أدنى من العلاقات
السلمية إن صح التعبير… يظهر ذلك فى تعامل الأسرتين عند الحاجة ومراعاة مشاعر الأبناء والتعاون لإرشادهم لمستقبلهم بعد الطلاق..ومهما حدث من خلاف بين الأصدقاء تجدهم حريصين على السهر معا فى سهرات الكريسماس واعياد الميلاد.. حاضرون فى دعوات الزفاف.. وأيضاً تشييع الجنازات..
**هذه الملامح والكلمات قد تحدد أبعاد مشكلة هوان الود.. ولكننا أيضاً لا نملك الحل السحرى الذى أسعد الموسيقار محمد عبدالوهاب. لآن معظم مساحة المشكلة..
تنتظر فى طرفيها.. التقدم بخطوات مساوية.. للتأكيد على الآخر..بأن الود والعيش والملح لا يهون على أولاد الحلال. الأنقياء القلوب بالحب والمودة.. والتراحم وإغاثة الملهوف.

زر الذهاب إلى الأعلى