دنيا ودين

مع نسمات الحج

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
كتب عصام عياد
أياماً قليلة ، وتدوي الأرض بأصوات الحجيج ، لبيك اللهم ما لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد ، والنعمة ، لك والملك ، لا شريك لك
فهنيئاً لإخواننا ، الذين كتب الله لهم حج بيته الحرام ، فعقدوا الإحرام وخرجوا فرحين بتلبيتهم وقضائهم لتلك الفريضة
حيث يشتاق المسلمون لحج بيت الله الحرام ، وكيف لا وهي استجابة لقوله تعالي ” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا ” وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ “
 سورة الحج 27
وكيف لا تهوي القلوب اليه وهي دعوة أبينا ابراهيم ” فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ ” إبراهيم 37
وكيف لا يتمناه الجميع وهو من أقصر الطرق الي الجنة ، لقول النبي صلي الله عليه وسلم ” الحج المبرور ليس له جزاءً إلا الجنة ” رواه أحمد
وكيف لا يسعي اليه أحد وهي الفرصة التي يتخلص فيها العبد من آثامه وذنوبه فقد قال المصطفي صلي الله عليه وسلم ” من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه ” رواه البخاري
فمن ما لا شك فيه أن للحج فضائل كثيرة ، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها
لكن الأهم من ذلك أن من الضروري علي كل مسلم أن يعرف أن الحج ليس بأذكار تقال ولا أماكن تزار وحسب ، وإنما الحج بالإضافة الي ذلك ( اذكار تقال و أماكن تزار ) أنها مقاصد ومعاني أراد الشرع أن تتحقق ، وحالة يجب علي المرء أن يعيشها
فعندما يخلع الحاج ملابسه المخيطة ويمنع من الحلق والتقصير والتطيب والتمتع بالنساء تاركاً الدنيا بما فيها من زينة ومتع قاصداً وجه الله تعالي ، لا شريك له فيتحقق مقصد أن تكون وجهة المرء لله وحده لا شريك له ، في كل أحواله ، في حركاته وفي سكناته ، في مرضه وفي صحته ، في فقره وفي غناه
يخرج ملبياً ، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد ، والنعمة ، لك ، والملك ، لا شريك لك ، كل جوارحه مستجيبة لربها ، تقول بلسان حالها ، دعوتني يا رب فأجبتك ، يا رب أنا عبدك الخاضع بين يديك ، لا خلاص لنا الا بلبيك ، ولا سعادة لنا في الدنيا والأخرة الا بلبيك
وعندما يدخل الحاج بعد إحرامه ، في دائرة الممنوعات ، فلا رفس ولا فسوق ولا جدال ، ولا قطع شجر ولا نقل حجر ولا صيد طير ، فتكون تخلية من كل أنواع الأمر بالسوء ، وبتركه القص للأظافر والحلق والتقصير للشعر وإتيان الأهل ، يكون بمثابة تربية وتهذيب ، فتترفع النفس عن أمور الدنيا فتسمو الأرواح
واول ما يري البيت الحرام ، ويري ما به من تعظيم وتشريف ، فيرفع يده كما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ، داعياً الله عز وجل ، اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا
وعندما يطوف بالبيت طواف القدوم ، يدرك مدي فضل الله عليه ، أن خصه بشرف الزمان والمكان ، وكتب له بكل خطوة من طوافه عشر حسنات ، ورفعه بها عشر درجات ، وحط عنه بها عشر سيئات
وعندما يري الحجر الأسود يتذكر أن النبي صلي الله عليه وسلم قد وضعه بيده الشريفة ، ويتذكر حكمة النبي صلي الله عليه وسلم ، في انهاء خلاف القبائل العربية ، حينما أرادوا إعادة بناء الكعبة المشرفة بعد أن تهدم أجزاء منها ، واختلفو علي من يكون له شرف وضع الحجر الأسود ، حتي اشتد الخلاف وكاد يتحول الي قتال ، لكنهم أهتدوا الي الاحتكام الي أول قادم من ناحية الصفا ، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي خلع ردائه ووضع الحجر عليه واشار الي كل قبيلة بان تمسك بطرف الرداء
ويتذكر قول الفاروق عمر بن الخطاب والله اني اعلم انك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك ، فيجد الحاج أنه أمام حجر يقبل وهو الحجر الأسود ، وحجر يستلم وهو الركن اليماني ، وحجر يرجم وهو إبليس ، فيتحقق مقصد السمع والطاعة
وعندما يري الحاج مقام الخليل ابراهيم وحجر اسماعيل ، يتذكر قصة رؤيا ابراهيم لما رأي في المنام أنه يذبح اسماعيل ، و يتذكر استقبال اسماعيل للخبر ، ويتذكر نتيجة الطاعة والامتثال لأمر الله ، فيتحقق مقصد الامتثال لأمر الله ،
ويتذكر أيضاً ابراهيم واسماعيل وهما يرفعان بناء البيت تقديساً وتعظيما لبيت الله الحرام ، ويستشعر المرء بر الإبن لأبيه وروح التعاون بينهم
وعندما يسعي الحاج بين الصفا والمروة ، يتحقق مقصد حسن الظن بالله ، والثقة به سبحانه وتعالي ، حين يتذكر قصة ترك الخليل ابراهيم لهاجر ورضيعها ، في وادي غير ذي زرع ولا ماء ولا بشر ، حيث كان قولها لما علمت أن ذلك أمر من الله تعالي ، إذاً لن يضيعنا الله ، فكانت النتيجة أن فاض الماء بين قدمي رضيعها ، وجائها الناس فأنسوا وحدتها ، و صار سعيها سنة ومنسكأ الي يوم القيامة
وفي يوم التروية ، حيث يستعد الحجيج ليوم عرفه ، ويكون لديه متسع لذكر الله والدعاء له و لذويه
وفي يوم عرفه ، وما أدراك ما يوم عرفه ، اليوم المشهود ، حيث يتوحد الحجيج في كل شيئ ، مع اختلاف أجناسهم وألوانهم ، ولغاتهم وطبائعهم ، حيث الجميع في مكان واحد ، وفي زمان واحد ، بلباس واحد ، بقصد واحد ، بأداء واحد ، بعد أن كانت تختلف أماكنهم ، باختلاف مستوياتهم ، وكان منهم الساعي والطائف والمحرم والمتمتع ، فالجميع جلوس علي جبل عرفه بملابس الاحرام ، لا فرق بين غني وفقير ولا وزير ولا غفير
يتخيل المرء الله سبحانه وتعالي وهو يباهي بحجاج بيت الله ملائكته ، ويشهدهم أنه عز وجل قد غفر لهم
يتخيل المرء الشيطان ، وهو واقف صاغرا ذليلاً ،وهو يري رحمة الله بعباده
وتذكر يوم المحشر حيث الوقوف بعرفة صورة مصغرة من يوم المحشر ، يوم الوقوف بين يدي الله ، يوم تدنوا الشمس من رؤوس العباد ، فيستعدون لذلك اليوم
وفي رمي الجمرات ، يعلن الحاج عداوته للشيطان ، مؤكداً علي تلك العداوة بتكرار الرجم
وفي ذبح الهدي ، يتذكر تضحية النبي صلي الله عليه وسلم ، بكبشين أملحين أحدهما عنه والآخر عن أمته صلي الله عليه وسلم
وفي زيارته للنبي صلي الله عليه وسلم ، يستمتع بالصلاة في روضته ، ويصلي ويسلم عليه صلي الله عليه وسلم ويبلغه سلام أحبابه
وفي طواف الوداع يسأل الحاج ربه أن لا يكون هذا آخر عهده بالبيت الحرام
ثم يعود كل حاج من حيث أتي ، كيوم ولدته أمه ، حامداً لله عز وجل ، وقد زاد تعلقه بالله عز وجل ، محافظاً علي نفسه من الاثم والفواحش
متيقناً بأن لا خلاص ولا نجاة لنا الا بطاعته سبحانه ولا سعادة لنا في الدنيا والاخرة الا بطاعته والقرب منه جل في علاه
فهنيئا لحجاج بيت الله و الله أسأل أن
يكتبنا من حجاج بيته الحرام

زر الذهاب إلى الأعلى