دنيا ودين

علم من أعلام آل البيت الامام علي الهادي رضي الله عنه

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
إعداد / محمد أحمد محمود غالي
الامام علي الهادي هو: “علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب”. ولد في صريا، قرية في نواحي المدينة المنورة،
في يوم الجمعة أو الثلاثاء ٥ من شهر ذي الحجة، أو ٢ من شهر رجب لعام ٢١٢ هجرية. أشهر ألقابه: «النقي، الهادي، الناصح، الأمين، النجيب، المرتضى، العالم، الفقيه، المؤمن»، وكنيته: «أبو الحسن، أبو الحسن الثالث، أبو الحسن الأخي».
والده الامام محمد الجواد رضي الله عنه، ووالدته سمانة المغربية، أم ولد كانت امرأة فاضلة تقية، وزوجته «حديثة»، و تسمى أيضا : «سليل، وسوسن»، كنيتها اُمّ الحسن، وأُم أبي محمّد، وتعرف بالجدّة، أي جدّة محمد بن الحسن المهدي، وأولاده: « علي، الحسين، محمد «ويلقب بسبع الدجيل» وهو الابن الأكبر للهادي، والذي كان قد توفي في حياة والده، جعفر الزكي، وعالية». نقش خاتمه : “الله ربي و هو عصمتي من خلقه”، وشعراؤه «العوفي، الحماني، محمد بن إسماعيل الصيمري، أبو الغوث أسلم بن مهوز المنبجي، الديلمي، أبو تمام الطائي، أبو هاشم الجعفري».
عاش الإمام حياته زاهداً عابداً ، في حجرة خالية ليس فيها من متاع الدنيا شيء سوى حصير ، يقضي وقته في قراءة القرآن وتدبّر معانيه.وكان رضي الله عنه يستقبل الناس بوجه بشوش ، يعطف على فقيرهم ويساعد محتاجهم. بَلَغ المتوكِّلُ العباسي، مقام الإمام علي ‌الهادي بالمدينة، ومكانته، وميل الناس إليه، فخاف منه ودَعَا ‌يحيى بن هرثمة ، وقال له : “اِذْهب إلى المدينة ، وانظر في حالِهِ وأشخِصْه إلينا”. قال يحيى : “فذهبتُ إلى المدينة ، فلمَّا دخلتُها ضَجَّ أهلُها ضجيجاً عظيماً ما سَمِع ‌الناس بمثله، خوفاً على عليٍّ، وقامت الدنيا على سَاق، لأنه كان محسناً إليهم، ملازماً للمسجد، ولم يكن عنده مَيل إلى الدنيا”. فجعلتُ أسكِّنُهم وأحْلف لهم أنِّي لم أؤمَر فيه بِمَكروه، وأنَّه لا بأس عليه، ثُمَّ فتَّشتُ منزلَه فلم أجد فيه إلاَّ مصاحف وأدعية، وكتب العلم، فعظُم في عيني، وتولَّيتُ خدمتَه بنفسي، وأحسنتُ عِشرتَه. فلما قدمت به بغداد، بدأتُ ‌بإسحاق بن إبراهيم الطاهري، وكان والياً على بغداد ، فقال لي : “يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله، والمتوكِّل من تعلم ، فإن حرَّضتَه عليه قتله ، و كان ‌رسول الله خصمَكَ يوم القيامة”. فقلت له : “والله ما وقفت منه إلاَّ على كلِّ أمر جميل”. ثمَّ سِرتُ به إلى سُرَّ مَنْ رَأى، فبدأت بـوصيف التركي ، فأخبرتُه بوصوله ، فقال : والله لَئن سَقطَ منه شعرة لا يُطالَبُ بها سواك. فلمّا دخلت على المتوكِّل سألني ‌عنه، فأخبرته بِحُسن سيرته، وسلامَة طَريقته، وَوَرعه وزهادته، وأني فتَّشت داره فلم أجد فيها إلا المصاحف وكتب العلم ، وإنَّ أهل المدينة خافوا عليه، فأكرمه ‌المتوكِّل، وأحسن جائزته، وأجزل برَّه، وأنزلَه معه سَامرَّاء. ومع أنَّ الإمام علي الهادي كان يعيش في نفس البلد الذي يسكن فيه المتوكِّل، وكانت العيون والجواسيس تراقبه عن كثب، فقد وُشي به إلى المتوكِّل بأن في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنه عازم بالوثوب على الدولة.
فبعث إليه جماعة ‌من الأتراك، فهاجموا دار الإمام ليلاً ، فلم يجدوا فيها شيئاً. ثم وجدوا الإمام في بيت مغلق ‌عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصى، متوجِّه إلى الله تعالى، يتلو آيات من القرآن الكريم، فحمل على حاله تلك إلى المتوكِّل ، وقالوا له : “لم ‌نجد في بيته شيئاً، ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة”. وكان المتوكِّل جالساً في ‌مجلس الشراب فأُدخِل عليه، فلمَّا رأى المتوكل الإمام هَابَهُ، وعظَّمه، وأجلسه إلى ‌جانبه، وناوله الكأس التي كانت في يده. فقال الإمام : ” وَاللهِ مَا خَامَرَ لَحْمِي ‌وَدَمِي قَط ، فَاعْفِنِي”، فأعفاه وقال له : أنشِدْني شعراً . فقال الإمام الهادي رضي الله عنه: ” أنَا قَليلُ الروَايَةِ ‌لِلشِّعْرِ”، فقال : لابُدَّ. فأنشده الإمام وهو جالس عنده ، فقال :
باتوا على قللِ الاجبـال تحرسُهـم ** ** ** غُلْبُ الرجالِ فلم تنفعهمُ القُلـلُ
و استنزلوا بعد عزّ عـن معاقلهـم ** ** ** و أودعوا حفراً يابئس مـا نزلـوا
ناداهمُ صارخٌ من بعد مـا قبـروا ** ** ** أين الاسرّةُ و التيجـانُ و الحلـلُ
أين الوجوه التـي كانـتْ منعمـةً ** ** ** من دونها تُضربُ الأستارُ و الكللُ
فافصـحَ القبـرُ عنهم حيـن ساءلـهـم ** ** ** تلك الوجوه عليهـا الـدودُ يقتتـلُ
قد طالما أكلوا دهراً و ما شربـوا ** ** ** فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا
و طالما عمّـروا دوراً لتُحصنهـم ** ** ** ففارقوا الدورَ و الأهلينَ و ارتحلوا
و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا ** ** ** فخلّفوها على الأعـداء و انتقلـوا
أضحت منازلُهـم قفـراً معطلـةً ** ** ** و ساكنوها الى الاجداث قد رحلوا
سـل الخليفـةَ إذ وافـت منيتـهُ ** ** ** أين الحماة و أين الخيلُ و الخـولُ
اين الرماةُ أمـا تُحمـى بأسهمِهـمْ ** ** ** لمّا أتتـك سهـامُ المـوتِ تنتقـلُ
أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا ** ** ** أين الجيوش التي تُحمى بها الدولُ
هيهات ما نفعوا شيئاً و ما دفعـوا ** ** ** عنك المنية إن وافى بهـا الأجـلُ
فكيف يرجو دوامَ العيش متصـلاً ** ** ** من روحه بجبالِ المـوتِ تتصـلُ
فبكى المُتوكِّلُ حتى بَلَّتْ لِحيَتَهُ دموعُ عَينَيه ، وبكى الحاضرون ، ثُمَّ ردَّ الإمام علي الهادي إلى منزلِهِ مكرَّماً. من أقواله البديعة المضيئة قوله رضي الله عنه:«من أطاع الخالق لم يبالِ بسخط المخلوقين»، «من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه»، «العتاب خير من الحقد»، «من هانت عليه نفسه فلا تأمن شرّه»، قال للمتوكل : «لا تطلب الوفاء ممن غدرت به». توفي رضوان الله عليه فى يوم الاثنين ٢٦ من شهر جمادى الثانية أو ٣ من شهر رجب لعام ٢٥٤ هجرية، أيام خلافة المعتز العباسي.
كان عمره وقت وفاته ٤١ عاما، ودفن في مدينة سامراء بالعراق، رضي الله عنه وصلى اللهم وسلم وبارك على جده المصطفى صلى الله عليه وسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى