قصة ورواية

ذات الحسن

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
بقلم / مايسة إمام
تبدو كواحدة من اليرقات البضة التي تتطلع لعالم البشرمن خلال فتحة صغيرة صنعتها أطرافها الضعيفة بعد معاناة في جدار شرنقتها ، تبهرها زرقة السماء الصافية التي تحتضن السحابات تارة وتتركها تارة
إنها ( ذات الحسن ) الطفلة التي يحبو عمرها نحو الست سنوات ، تقف كل يوم متعلقة بالنافذة تتلهف لطلة أبيها عائدا من عمله
يسرق نظرها ويثير فضولها البرئ تجمع أشبه بتجمع النحل الشغالة حول ملكتهم لمجموعة من أطفال الحي حول بائع للطائرات الورقية الملونة الزاهية وكل منهم يسعى جاهدا لشراء طائرة له تحلق في السماء ويحلق مع مع ألوانها الزاهية وتغمرهم السعادة بمذاق اللعب اللذيذ
بائع الطائرات قابع على جانب الطريق يرتفع صوته معلنا عن بضاعته يقول : طائرة الأحلام من يريدها ؟ تلمع عيناه ببريق الشهوة للمال الذي تمنحه إياه تلك الأيادي الصغيرة
التي باتت تنتظره كل يوم لتلهو وتستمتع بالطائرات وكل منهم يفتخر بمهارته الفائقة في التحكم في الطائرة
يتكرر هذا المشهد كل يوم حتى ينتهي بائع الطائرات من بيع آخر طائرة ثم يبتسم ناظرا لهم نظرة طويلة
ولم يكن لـ ذات أمل يسعدها بعد عودة أبيها من العمل سوى أن تنضم لحملة الطائرات الورقة الملونة التي تسر النفس وتمتع باللعب بها
وطالما تمنت أن تتحرر من خجلها وتخبر والدها عن رغبتها في شراء طائرة ومشاركة الأطفال اللعب لكنها كانت تتراجع لعلمها أن والدها لا يسمح لها بالخروج من البيت إلا بصحبته أو والدتها
قررت ذات يوما أن تستجمع شجاعتها وتطلب من أبيها شراء طائرة ورقية ملونة بألوان قوس قزح التي عشقتها
وانتظرت حتى عادمن عمله و توجهت إليه تسحبه من يده نحو النافذة وهو يضحك ويقول : هل أنا مخطوف ياذات ؟
أشارت ذات بإصبعها الصغير نحو بائع الطائرات الورقية والأطفال ملتفون حوله تعلو أصواتهم المبتهجة وقالت : أريد طائرة ملونة مثلهم ياأبي ، أريد أن العب معهم وأري طائرتي تحلق في السماء مثلهم
نظر الأب نحو السماء فوجد طائرات قوس قزح غطت معظمها و كل منها تتدلل بمفاتنها ورشاقتها في الطيران حتى بدت تنافس السماء في زرقتها وجمالها
والأطفال مسحورون مبتهجون بطائراتهم الملونة التي تشبثت بخيوطها عيونهم وقلوبهم
ثم انتقل بعينيه نحو بائع الطائرات الذي تنبئ ثيابه الرثة عن ضيق الحال ونظر لوجهه المنكفئ علي العملات المعدنية والروقية في حجره فانقبض صدره وعندما رفع الرجل وجهه عن المال وهو يجمع ثروته بعد أن باع مافي حوزته من طائرات ونظر نحو الأطفال نظرته الطويلة المعتادة
زاد انزعاج الأب وهو يرى الأطفال يلهثون خلف طائرات قوس قزح التي غطت السماء مسلوبي الإرادة دون وعي
ابتعد عن النافذة بسرعة ممسكا بذات يضمها لصدره ضاغطا على جسدها النحيل وكأنه يعيدها ضلعا من أضلاعه
يربت علي ظهرها وشعرها بحنان وقلق ممزوجين حتى انتبه لصوتها : أبي إنك تؤلمني ..
اسرع الأب نحو النافذة يغلقها بسرعة و حزم مسددا لذلك البائع سهاما نارية من عينيه ثم التفت مبتسما لذات :
مارأيك أن نشتري أولا كتابا نتعلم منه كيف نتعامل مع هذه الطائرات لتجيدي اللعب بها ولا ينافسك أحد ،ثم نشتري معا طائرتين أجمل وأكبر لنلعب معا
فرحت ذات واحتضنت أبيها : أحبك ياأبي

تمت

زر الذهاب إلى الأعلى