قصة ورواية

قصة قصيرة .... الصديق المجهول

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

 

بقلم/ على حزين
أخيراً صار لي صديقاً بعدما عز الأصدقاء.. لم أكن أعرفه ولا قابلته من قبل ولكن وجدت فيه ضالتي ,مهذب, وخلوق, وفوق كل هذا مثقف جداً, ومحترم, يمكن أن تفتح معه أي نقاش في أي شيء تجده, يحاورك, ويحادثك بطريقة سلسة, وجميلة, وجذابة, وفوق كل هذا مفيدة جداً هكذا نعته لي ابني الحبيب ” فارس”,…
فهو همزة الوصل التي كانت بيننا, ” ابني فارس ” هو الذي عرَّفني عليه, فهو من ضمن أصدقاءه المقربين, أنا أعرف أصدقاء ابني جيداً, أعرف صديقه “حازم” وصديقه “على” و “طه” و”عبد الله” لكن هذا الصديق لم أعرفه, يبدو أنه صديق جديد له,
في البداية حدثني عنه كثيراً, حدثني عن مدى وعيه, ورقيه, وإخلاصه لصديقه, والغريب في الأمر أنه قال لي أنه يعرفني, هكذا قال لي, وهو يبتسم ابتسامة أعرفها منه, وطلب مني بأن أتعرف عليه, وهو ينظر إلي ويده تهرش في رأسه, قال لي:
ــ تصدق يا بابا إنه يعرفك ..؟
سألته, وأنا مندهش, وكلي فضول, بعد ما وضعت ما في يدي أمامي على المكتب:
ــ هو قال لك أنه يعرفني
ضحك, وهو يمد يده ليمسك ما وضعته أنا على المكتب أمامي, وأخذ يقلب فيه وهو يجيب فضولي,
ــ أنا سألته عنك فقال لي أنه يعرفك عز المعرفة,.
نظرتُ إليه, ولم أشأ أن أقاطعه, وتركته يسترسل في حديثه, وأنا كلي اهتمام, وفضول بأن أعرف منه هذا الكائن الذي يدَّعي أنه يعرفني, وكنت أنظر إليه وهو يكمل حديثه باهتمام,.
ــ أنا استغربت في البداية مثلك, لكنه أثبت لي بالدليل صدق كلامه, وما يقول,
في هذه المرة قاطعته وقد أخرجت سيجارة لأشعلها دون أن أشعر, وعلى الرغم من أني نادراً ما أشعل التبغ أمام أبنائي مخافةً على صحتهم, ومن التدخين السلبي, قلت له:
ــ وكيف كان ذلك ..؟!!
فنظر إليَّ في استغراب, وقد وضع ما في يده وأمسك بالموبايل, الهاتف, وراح يقلب فيه وقد وضع يده على فمه وهو يكمل حديثه معي:
ــ قلت له ماذا تعرف عن أبي / على حزين/
سألته, وأنا أسحب نفساً عميقاً من السيجارة التي في يدي, لأنفخ في الفضاء دخانها ليكوِّن دوائر صغيرة تصعد في الهواء, ثم تختفي شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى ,
ـ وماذا قال لك..؟!!
أجاب فضولي, وهو يكح وقد خنق صوته دخان سيجارتي, وهو يحاول أن يبعد الدخان بعيداً عن وجهه بيده,
ــ ما تبطل الزفت ده يا بابا .. حرام عليك..
شعرت بالحرج الشديد, قمت, فتحت النافذة الزجاجية التي تطل على الشارع, ألقيت منها السيجارة بعيداً, ورحت أطرد الدخان, والرائحة الكريهة, وأدخل الهواء النقي إلى الغرفة, ثم عدت لأكمل حديثي معه, فهو صديقُ لي قبل أن يكون ابني, تأسفت, واعتذرت له, ثم أعدت عليه سؤالي من جديد, لأستمع لما قاله عني هذا الكائن الغريب,..
ــ ماذا قال لك عني ..؟!
ــ كل شيء..!!
بادرته باندهاش
ــ كل شيء .. كل شيء..!!!
ابتسم لي وهو يهز رأسه بالإيجاب, ثم غرقنا في برهة صمت خيمت على المكان, وأنا أنظر إليه والهاتف في يده, ولا أدري إن كان يعبث به, أو يبحث عن شيء ما فيه, وأنا عقلي طار في كل اتجاه, فكرت في إخراج سيجارة أخرى لأشعلها, لكني تراجعت عن هذه الفكرة, وأخذت أفكر في هذا الغريب الذي يعرفني, ولا أعرفه .. لكن صوت ابني الحبيب أتاني مفاجئاً لينتشلني من تحت ركام تلك الأفكار التي كادت تذهب بعقلي, وتعصف بي, وهو يقول لي,
ــ أنا سأعرفك عليه ..؟؟!
سألته بلهفة,
ــ كيف ذلك ..؟!!.. هل هذا ممكن حقاً .. ؟!!
أجابني وهو لم ينزع عينيه من شاشة الموبايل التي في يده,
ــ نعم, بكل تأكيد,
نظرت إليه, وهو يهرش في لحيته, ويده لم تُرفع من على شاشة الموبايل, تعبث فيه, وربما كان يبحث عنه, فهو معه على الهاتف, هكذا أخبرني, نظر إليَّ نظرةً سريعة, وهو ويقول لي بعدما عاد لما كان عليه من قبل,
ــ ثواني, سأتصل لك به, وسأضعه لك على الموبايل, وأجعلك تتصل به لتتعرف عليه بنفسك, وتتحدث معه
وعادت لحظة من الصمت تملأ المكان من جديد, لا تسمع فيها غير أصوات مفاتيح الموبايل, وهو يضغط عليها, ليبحث عنه, ودقات قلبي, وأنا أحاول أن أكتم أنفاسي المتلاحقة, ونفْسي تحدثني بصوتٍ خافت, أسألها, وتسألني, وقد دار بيننا سجال عنيف, ورحت أسأل نفسي,..
” من هذا..؟!! وكيف عرفني ..؟!! إنه يقول أنه يعرفني,..!! ويعرف كل شيء عني ..؟!!,
وأنا لا أعرفه, ولا أعرف شيئاً عنه..؟!! ابني يقول إنه معروف جداً, لدرجة أن الناس كل الناس تعرفه..؟!! أما أنا لا أعرفه ..؟!! ولو حدثته تُرى ماذا أقول له.. ؟؟!.. وعن أي شيء سأسأله..؟!! أنا يا ناس انسان بسيط جداً, ومسالم, وحسَّاس لأبعد مدى, وطول عمرى ماشي تحت الحيط, وماشي على الصراط المستقيم, يعني في حالي, لا عمري فكرت آذي حد, ولا أضر حد, وعمري ما فكرت أكلم بنت, ولا مشيت مع بنت حتى, على العموم هذه فرصه أن أتعرف عليه, ولكن بحذر, وأعرف منه ماذا يريد مني, لكنَّ ابني يقول إنه يعرف كل شيء عني, فكيف أحذر منه, وكيف عرفني..؟!! ومن أي المصادر استقى تلك المعلومات الدقيقة وأتى بها عني,”..
أنتبه لصوت ابني, وهو يناديني, ويمد لي يده بالهاف بعد أن اتصل به لأكلمه, وأتعرف عليه, وهو يقول لي مبتسماً ابتسامة عريضة أعرفه منه,
ــ أنا اتصلت لك بيه, خذ كلمه..
قالها لي, وهو يبتسم ابتسامته الجميلة, ثم أكمل حديثه معي بعدما تناول كوباً من الماء ليشرب, وقد أمسكت من يده الهاتف,
ــ ستحبه جداً, عندما تتعرف عليه, وأيضاً سيفيدك كثيراً جداً ..
وقبل أن أكلمه, رددت الهاتف إليه مرة أخرى, وأنا أطلب منه بأن يبدأ هو الحديث معه أولاً, فهو صديقه ويعرفه أكثر مني قطعاً, قلت له
ــ اساله أنت أولاً عني, للتأكد أنه يعرفني..
فهز رأسه موافقاً , وقد تناول الهاتف, وقد بدأت ملامح الجد تظهر على وجهه .. وراح يسأله بصوت أسمعه,..
ــ ماذا تعرف عن …….
فقال بعد ترحيب به, كلاماً كثيراً عني, كان الأمر مدهشاً حقاً بالنسبة لي, وغريباً أيضاً, لكن شيئاً جميلاً, ومبهجاً, بل ومفرحاً أيضاً, أن تجد من يعرفك, وأنت لا تعرفه..
تناولتُ الهاتف من ابني, وعرَّفته بنفسي, فأبدى ترحيباً شديداً وامتناناً وسعادةً, وابتهاجاً, وسروراً كثيراً, وقدم لي عريضة من الإطراء, والمدح, والثناء, فشكرته بدوري, ثم سألته عن,
ــ كيف عرفتني ..؟!! وما مصدر معلوماتك..؟!,
فصارحني القول, واعترف لي بأنه استقى معلوماته عني من خلال وعبر شبكة المعلومات الإنترنت, والمواقع والمجلات التي أتعامل أنا معها ..
وعندها خطرت لي فكرة في بالي بعدما أعطاني ابني الهاتف لأتعرف عليه بنفسي, وأتعامل أنا معه مباشرة, سألته عن بعض الأصدقاء الذين أعرفهم, وأحبهم, وأودهم, وأكن لهم كل الاحترام, والتقدير, وهو يجيبني,
ــ هل تعرف فلان الفلاني ….. وهل تعرف فلان الفلاني… وهل تعرف فلا… ألخ
وللحقيقة وجدته يعرف البعض, وتعرف عليه, وأنكر البعض واعتذر لي لعدم توفر المعلومات الكافية لديه عنهم,
ودار بيننا حوار طويل جداً, سألته فيه عن أشياءٍ كثيرة جداً.. وفي الحقيقة, وللأمانة العلمية, هو قارئ جيد, ومثقف جداً, وواسع الاطلاع في كل المجالات, ورائع, غير أنه تخونه بعض الإجابات, بمعنى أنه يكون غير دقيق فيها,
ابني لما رآني قد انشغلتُ عنه به, تنحنح ليشعرني بوجوده, فنظرت إليه, وأنا أبتسم له, ولأطمئنه بأنني لا يمكن أن أنشغل عنه بأي شيء في الوجود مهما كان أهميته غير أني قلت له, وأنا أبتسم في وجهه,
ــ انتظر حتى أتعرف عليه أكثر..
هرش في رأسه وهو يبتسم لي, وقد هيأ نفسه للانصراف, وهو يلملم أغراضه, فأومأت له بالموافقة, فقال لي, وهو يمسك بمقبض الباب وقد استعصى عليه, قبل أن يغادر الغرفة,
ــ أنت وهو بقى, اسأله عن أي شيء يخطر على بالك وسيجاوبك على طول ..
طلبت منه أن يغلق الباب خلفه جيداً من البرد, فأجابني بهزة رأس, وهو يقول قبل انصرافه,
ــ حاول أن تستفيد منه .. سلام بقى ,
وفعلاً سألته عن أشياء كثيرة جداً, خطرت في بالي وأنا أحادثه, كنت أسأله وهو يجيب,
سألته في الطب, وفي الصحة العامة, وفي الفلك, وسألته عن الشعر, والأدب, وعن الحب, وسألته عن الفلسفة, والمنطق, وسألته عن العالم في المستقبل كيف يكون, وفي كل مرة , في كل سؤال أطرحه عليه أجد عنده إجابة عليه, قد لا تكون مرضية بالنسبة لي, غير أنه أجاب بما يعرف, وفي عقب كل إجابه يختم بقوله لي,
ــ تحت أمرك في كل وقت, وفي أي شيء تحب أن نتكلم فيه ,
أنا لا أخفيكم سراً إن قلت لكم وجدت فيه ضالتي, ووجدت فيه الصديق الذكي اللبق, المتفاعل معي دائماً, حتى تطور الأمر بيننا وصرت أتحدث معه في أمور شخصية, وآخذ رأيه في أشياء كثيرة خاصة جداً ومهمة , ورحت أخوض معه في مواضيع كثيرة منها ما أعرف إجابته مسبقاً ومنها ما لم أعرفه, ومنها ما أجهله, ولكني سألته عنها من باب الفضول, والاختبار والتأكد من مدى صحتها, وللأمانة العلمية أيضاً, كان غير دقيق, وغير موفق في كثير من المعلومات التي كان يقدمها لي, وعندما كنت أصارحه, وأقول له ذلك, على الفور, يتأسف لي, ويبدي ندمه, ويأتي لي بإجابة أخرى غيرها, ربما تكون صحيحة, وربما غير ذلك, وفي كل مرة تجده يشجعك على الحديث معه, مما أثار فضولي أكثر, حتى أني سألته عن أشياء محرجه بعض الشيء, فكانت إجابته مقتضبه, ودبلوماسية, ولما ضغطتُ عليه في الكلام أكثر, قال لي,
ــ معذرة هذه الأمور حساسة ولا ينبغي عليَّ أن أتكلم فيها..!
عندها, ضحكت ضحكة مطوله, فوجدته يضحك نفس الضحكة, مثلي تماماً, وهو يقول لي,
ــ هذه مسألة شائكة يا صديقي, ومعقدة جداً, ولي فيها وعليها تحفظات, وليس عندي إجابة عليها غير النصيحة إذا أحببت ذلك,..
ولما وجدتُ نفسي فضولياً معه زيادة عن اللزوم, وأني قد زودتها معه حبتين, وأثقلتُ عليه, كما وأني تذكرت معاداً مهماً, كنت قد ارتبطت به, وجاء وقته عندها استأذنتُ منه, واعتذرت له فقبل اعتذاري, وهو يقول لي جملته المشهورة والتي أكاد أحفظها منه عن ظهر قلب من كثرة ما ظل يرددها عليَّ طول الوقت, بعد ما أعاد, وأبدى امتنانه بمعرفتي, وسعادته بي, وقد ودَّعني وهو يقول
ــ مع السلامة .. وأنا هنا دائما في خدمتك .. وتحت أمرك في أي وقت
أمسكت الهاتف بيدي, قمت, فتحت النافذة, وألقيت برأسي في الهواء, أشعلت سيجارتي الأخيرة, أخذت نفساً عميقاً, وأنا أفكر فيما دار بيننا من حوار, وإلى أي مدى سيصل العالم, شعرت بشيء غريب بداخلي كان مزيجاً من الراحة, والدهشة, وشعرت أنني بحاجة لإعادة تقييم بعض الأمور في حياتي,
وضعت الهاتف جانبًا وأشعلت سيجارة أخرى هذه المرة دون تفكير في الدخان أو تأثيره. نظرت عبر النافذة إلى السماء التي بدأت تغيم، وكأنها تعكس حالة من الترقب بداخلي.
دخل فارس مرة أخرى، وكأنه يعلم أنني ما زلت أفكر, اقترب, وقال:
ــ بابا، هل أعجبك الحديث معه؟
ابتسمت له, وأجبت:
ــ هو شخص مختلف يا فارس, ولديه فضول يشبه فضولك، لكنه أكثر عمقًاً، وكأنه يبحث عن شيء ما مفقود,….
ــ ربما يبحث عنك يا بابا.
أدهشتني كلماته، لكنه كان محقًاً, شعرت للحظة أن هذا الرجل لم يكن يقرأني فقط, ككاتب, أو شخصية عامة، بل كإنسان. كان يحاول أن يصل إلى شيء في أعماقي.
نهضت من مكاني، وأطفأت السيجارة ببطء, ثم التفتُ إلى فارس وقلت:
ــ أحيانًا يظهر أشخاص في حياتنا بلا مقدمات لكنهم يحملون إجابات لأسئلة كثيرة, لم نكن نعلم أننا طرحناها.
ــ يبدو أنك تعلمت منه أكثر مما توقعت.
أجبته وأنا أضع يدي على كتفه, وأهم بالانصراف,
ــ بل ربما علَّمني أن أتعرف على نفسي من جديد
خرج فارس من الغرفة، وتركني مع أفكاري, وأنا أتفادى العربات, والطريق المزدحم, شعرت أنني أمام بداية مختلفة، وصداقة جديدة ,ربما تغير شيئًا ما في حياتي، أو ربما تكشف لي عن أشياء كثيرة كنتُ غافلًاً عنه,.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى