قصة ورواية

جميعهم يصوِّبون بنادقهم

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
د. أماني فؤاد
حين رفَع فوهة بندقيته في مواجهتي؛ وضعتُ رأس ابني في الحقيبة، وشرعت ‏أخلع إسدالي بتلقائية؛ اندهش:‏
‏- لماذا تخلعين ملابسك؟
‏- رجعت أبحث عن أشلاء صغيري، مات في الغارة الأخيرة، حتى الآن لم أعثر ‏على فخْذه ولا قَدَمه اليمنى، أردت دفْنهما معه، لست الآلهة المصرية التي تلملم ‏الأشلاء؛ فقط أردت رؤيته مكتملًا للمَرَّة الأخيرة.‏
‏- ما اسمك؟
‏- أخلع ملابسي كلَّما رأيت بندقية، يقول زوجي: القتل في التوِّ واللحظة حق على ‏الزوجة التي تمتنع، لن يتردد للحظة في إطلاق رصاصاته لو طلبني وتأخرت.‏
‏- مَن زوجك؟ ولماذا أنت هنا؟
‏- أعيش مع جدتي لأمي، ألقمتني المُرَّ، دائمًا ما سألت ربَّها: لماذا أخذتَ ‏الذكور الأربعة وتركت لي هذه المصيبة؟ قَتَل أحد المستوطنيين عائلتي بكاملها، ‏أفرغ فيهم – منذ عشرين عاما – رشَّاشًا يشبه الذي تحمله. أوصتها أمي قبل أن ‏تلفظ أنفاسها أن تعلمني، فصرت كلما تكلمتْ، هي أو زوجي، ألملمُ الكثير من ‏الجمل والمفردات وألقي بها في البيارات.‏
‏- لماذا يدعونك بالمصيبة؟
‏- لديه آلي ضخم، ويحفظ عددًا من سُوَر القرآن، لم يقبِّلْني قَط، يقول إنه بدوي، ‏حين طلبتُ؛ ظَل يردد: ناقصات عقل ودين، بيديه متسخة الأظافر دفَن ابنتي ‏الصغيرةَ، وعاد في أقل من ساعة ليحفر، قُتلت منذ عشر سنوات حين غلَّقتم ‏علينا الحياة، عالقون نحن دومًا، ماتت بشظايا قذائفكم، في حين تدَّعون أنكم ‏تنثرون الزهور.‏
‏- لماذا يملك زوجك آلي، ومن قتل؟
‏- جدتي وأمه قالتا له: كلَّما كسرتَ لها ضِلعًا؛ طلع لها أربعة وعشرون. كان ‏صديقًا لخالي، كلَّما أرادني؛ صوَّب باتجاهي بندقية، عفوا، كلما سألته عن خالي ‏أيضا، صوبها نحو وجهي وقال: لا يردُ اسمُه على لسانك، خالك خرج عن ‏الجماعة، كفر..‏
‏- ماذا في هذه الحقيبة البلاستيكية؟
‏- زوجي يبني الأنفاق، كيف لا يحمل آلي وأنتم تغتصبون الحياة!؟ كلَّما أتاني؛ ‏أشم رائحة البارود والليل والأكفان، فيجتاحني السأم والنفور. أتعرف مذاق المُرِّ؟ ‏أتجرَّعه كل يوم أكثر من الوجبات.‏
‏- أين تعيشين؟
‏- اسمي سُمية، لكن صاحبة طفولتي – التي هاجرت إلى أوروبا منذ ثلاثين عامًا ‏‏- تدلِّلني بقولها: المرأة المطوية على الانتهاك، سُمية الانحدار.‏
عاود تصويب بندقيته نحو وجهي، هذه المَرَّة لم أحدد أهي رائحتي، أم رائحته؟ ‏فالعفن يجتاح أنفي، ورأس ابني التي في الحقيبة البلاستيكية، يجتاحهُ، وجدران ‏البيت التي تهدمت، وَلَغْو الرعناء……
………..

زر الذهاب إلى الأعلى