قصة ورواية

قصة حب صيفية ….. قصة قصيرة

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

محمد فيض خالد

مع هبوب نسائم الصيف ينتظر مقدمها بفارغ الصبر، يتسمع دقات قلبه مع أول نظرة، بدى الأمر شيء من الإدمان ، يرى فيها ما لا يرى أنداده من فتيان القرية ،فتتمثل في صورة ملائكية صغيرة تشاغب من أمامه ،تجردت من دنس الآدميين الذين خالطهم عمره ، هي في اعتقاده أبعد ما تكون عن حياة الوحل ، والسباخ التي تفيض بها البيوت ، وتلطخ الوجوه المحملة بكآبة المعيشة، حتى وإن كانت من نبت هذه الأرض ، لكنها عنده من طينة مختلفة ، اصطفتها الأقدار على عينها ، لتكون بهذا الرونق والبهاء.
تعلق مبكرا بفتاته اللعوب، مذ بدت أمامه أنثى في ثياب المرح طازجة كاملة الأنوثة ،كان يحبها حبا يراه فالقا كبده ،هي بنظره روح الجنة وطهارة السماء، لكنه كان يرتد خائبا، حين يرى نفسه ضئيلا أمامها، وهو يلتف بأسمال الفاقة والمتربة ،ومرارة شظف العيش ورقة الحال، أما هي فقد تربت في لين النعمة ، يغدق عليها والدها من أفانين المتعة الكثير، منى نفسه الارتباط بها ،شفيعه لهذا الطلب قرابة بعيدة تربطه بوالدها ، الذي هجر القرية صغيرا وبدا حياة جديدة ،تخفف فيها من أعباء الريف وأثقال الحقول ، تقرب إليهم زلفة ، وجاهد استطاعته في كد كي يتسلق هذا الجدار الفاصل بينهما من أعراف الريف حتى نهايته ، تلفه الهواجس ، وتبلبل خاطره المخاوف، كلما مر قريبا من دارهم أو شاهدها ، يتساءل في حرقة :” هل لفتاة منعمة مثلها ، تقبله زوجا؟!” ،غالب ظنونه ، وامتلأ يقينا، فقد ترك له والده قراريط تكفيه ، مشت الأمور على خير ما يشتهي، انفتلت الأيام ليجدها في بيته عروسا مجلوة ، بعد أن التهمت نصف فدان من أخصب أفدنته الثلاثة ،تشاغل عن كل هذا بجمالها الفتان ،بعد أن طابت نفسه وهدأت روحه بين ذراعيها ، يجني من رحيق الحب الشهي ، ويقطف من ثمار العشق الغض قطفا جنيا ، سحرته حتى غاب عن الوجود ، فبسماتها الحلوة تذيقه طلا الحب حتى يسكر ،يصرخ من أعماقه حين تتراقص في ميوعة مجنونة أمام المرآة ، هجر حياته كلها ، حتى أصدقاء الطفولة انفك عنهم ، يعهد بها سحابة نهاره ، ويتسامر معها عشيا ، مضت أيامه الحلوة وانطوت ليالي هناءته ، ليجد نفسه بين أحضان كابوس يضمه ، جعله يضطرب في لجه من الأحزان ، لقد تعلقت فتاته بشاب من أبناء القرية يضاهيها سنا، كان من شبابها المنفلت ، أغواها بحبه كشيطان ماكر قبل ان تقترن بصاحبنا ،استمرت صلتهما لما بعد الزواج ، لم يشفع له تلهفه على بطنها المنتفخ في حملها الأول ، فتمادت في جبروت ، تذيقه من صنوف الأسى كؤوسا ، لم يكن ليدري أنه قد أغرم بوحش ، تضاءلت في نفسه صورتها الجميلة في الماضي، فشعرها المتهدل، وجبينها الوضاح، وجسدها البض الرجراج ،وبسمات الشفاه اللذيذة ، كل هذا تبدى سرابا ممتدا أمامه ، تراءت من فجوات الحياة كابوسا يكاد يزهق روحه ، امتدت يده تعبث بأرضه مجددا ، حتى أتى عليها جميعا لكنها لم ترتدع ، بل ظلت في تماديها وعنادها ،حتى كان اليوم الذي مزقت فيه كبريائه ، طلبت منه الطلاق، لم تفلح بينهما الوساطات ، أخيرا تم الطلاق لتلحق بمن تحب ، بعد أن ألقت له بابنتهما الرضيعة ،أما هو فانكأ وحيدا يربي الصغيرة ، أكمل حياته قانعا بهذا ، سارت به الأيام ليصحو ذات صباح على طرقات خفيفة مترددة ، وكأنها تهمس لألواح الباب ،كانت هي ، نعم هي بعينها ، لكنها بقية من أطلال الأمس الغابر، عرفها من وشم عريض على ظهر كفها الأيسر، غدر بها حبيبها المدلل ، بعد أن انتهى مالها ، طردتها الأبواب فلم تجد من يحنو عليها أو يرحم ذلتها ، عاشت في غرفة من غرف بيته ، قبلها لأجل ابنته ، وذكرى أيام كانت

زر الذهاب إلى الأعلى